من الاستسلام الى الكفاح، كيف تنجو المرأة السورية من الضائقة الاقتصادية

 

الصورة بعدسة: إسلام مارديني/ مساعد الاتصال والتواصل – منظمة أوكسفام في سوريا.

بقلم: دانيه قارح/ مسؤولة الإعلام والتواصل – منظمة أوكسفام في سوريا

بالنسبة للكثيرين، قد تكون ماجدة شخصية عادية ولكن بالنسبة لعائلتها ولأولئك المقربين منها فهي بالتأكيد أيقونة. خلف ملامحها الحادة، تخفي كائناً خجولاً وتحت عباءتها، تحاول إخفاء ما اعتقدت ذات مرة أنه سبب انهيار حياتها - طرف صناعي ليدعم صمودها.
فقدت ماجدة إحدى ساقيها قبل ثماني سنوات عندما سقطت قذيفة هاون على حيّها الذي كانت تعيش فيه. في ذلك الوقت، كانت متزوجة حديثاً وبالرغم من مصاعب الأزمة في البلاد، كانت ماجدة تحلم بحياة سعيدة، منزل دافئ وعائلة. لكن وبدون سابق إنذار، انقلب عالمها رأساً على عقب
.

"فقدتُ في الأزمة أكثر من ساق - فقدت مستقبلي بالكامل. كان هذا كل ما أمكنني التفكير فيه حينها. هجرني زوجي بعد الحادث مباشرة،" قالت مع ضحكة مكتومة: "أعتقد أنه كان من الصعب عليه البقاء مع زوجة معاقة". "عندما علمت أن زواجي قد انتهى ، اعتقدت أن حياتي قد انتهت أيضاً. طلقني زوجي وعدت بعدها إلى منزل والديّ. عدت مكسورة ومهزومة. أخبرتني عائلتي بأنني سأتجاوز هذه الأزمة في غضون بضعة أشهر ، لكن الأشهر امتدت إلى سنوات". وهي تقول ذلك، أغلقت ماجدة عينيها بإحكام في محاولة يائسة لتكبح دموعها من الانهمار.

بيد مرتعشة مسحت دموعها وابتسمت ابتسامة صغيرة وهي تخبرنا عن رحلتها ما بعد الطلاق. في ذلك الوقت، لم تكن ماجدة قادرة على شراء طرف اصطناعي وبسبب هذه الإعاقة لم تتمكن من العثور على عمل لإعالة نفسها. لم يكن لدى ماجدة ووالديها من دخل يعتمدون عليه سوى راتب الأب التقاعدي وهو مبلع تسعين ألف ليرة سورية شهرياً (ما يعادل حوالي 18 دولاراً أمريكياً).

" كل شيء باهظ الثمن والمواد الغذائية المدعومة (التي يتم توصيلها للعائلات من خلال نظام الدعم في البلاد) كانت تجعل الأوقات الصعبة أسهل قليلاً، ولكن لم يعد هذا هو الحال منذ أن تم تخفيض المواد المدعومة في العامين أو الثلاث الماضية، كما تقول ماجدة.

بتنهيدة عميقة، حاولت استعادة ذكريات السنوات الماضية وبصوت متوتر قالت: "كانت هنالك أوقات لم نتمكن فيها من العثور على قطعة خبز واحدة في منزلنا. المواد الغذائية المدعومة التي نحصل عليها كل ثلاثة أشهر بالكاد تكفينا لثلاثة أسابيع. لذلك، كان علينا التخلي عن شراء بعض المواد. لم تعد اللحوم والفاكهة خياراً متاحاً لنا ببساطة.استطعنا تحمل تكلفة شراء أشياء أقل بكثير مما نحتاجه في الحقيقة، للبقاء على قيد الحياة."

في مواجهة تلك الظروف العصيبة، كان على ماجدة أن تفعل شيئاً. لم يعد بإمكانها الجلوس مكتوفة الأيدي، ومع مثل هذه الظروف الشاقة بدأت قصتها تأخذ منعطفاً مختلفاً. "تمكنتُ أخيراً من الحصول على طرف صناعي سفلي، قدمته لي إحدى الجمعيات في مدينتي ثم بدأت أفكر فيما أجيد القيام به؟ ومن أين يمكنني أن أبداً؟

كان الطبخ هو الإجابة على جميع أسئلتها. بعد عدة محاولات، تمكنت من إيجاد مبادرة نسائية حيث قامت مجموعة من النساء بتأسيس مطبخ لطهو الطعام وبيعه لشركات خاصة. انضمت ماجدة إلى المبادرة حيث وجدت في زملاء عملها الجدد عائلة حقيقية وخلقت دائرة ثقة جديدة كما أوضحت.

أخبرتنا كيف غيرت هذه المبادرة حياتها وساعدتها على أن تكون شخصاً أقوى يمكنه التعامل مع المواقف الصعبة مهما كان الأمر "كسب المال من الطهي والقدرة على شراء بعض احتياجاتنا هو متعة." ماجدة تشرح.

كان من المدهش أن نرى كيف تغيرت نبرة صوتها بمجرد أن بدأت تتحدث عن عملها كطاهية. أكثر من السعادة، كان الأمر يتعلق بتحقيق الذات. عندما سألنا زملائها عنها ، قالوا "إنها مقاتلة حقيقية". بالنسبة لها، لم يكن الأمر أنها فقدت ساقها، بل أنها كانت خائفة من الفشل في الحصول على انطلاقة جديدة، لكن كل شيء تغير بعد تجربة العمل هذه.

ماجدة لم تصبح طاهية فقط، لكنها وجدت أخيراً وصفتها للتغيير.