الحياة نحو التعافي
خنساء، 34 عاماً، تقف في مزرعة أسرتها في ريف دير الزور، وهي تحمل ابنها.
الحياة نحو التعافي
كيف تبدو الحياة لإمرأة تعيش في الميادين بعد خروج ما يعرف بتنظيم الدولة منها؟
بقلم: ألين يعقوبيان/ مسؤولة سياسات الأمن الغذائي وسبل العيش في منظمة أوكسفام بسوريا.
هذه هي حال الرجال، النساء والأطفال الذين كافحوا من أجل الاستمرار. بعد مرور عامين على دَحر ما يدعى بتنظيم الدولة من الميادين، شرق دير الزور في سوريا، ما يزال الوضع مريعاً.
لم أملك إلا أن ألتمس حجم الدمار الهائل الذي خلفه النزاع عندما كنت أتنقل عبر المدينة التي أحيلت إلى دمار بسبب القتال العنيف. بالرغم من ذلك، شعرت بالحياة تعود ببطء بين حطام المباني والبنى التحتية للماء والكهرباء وكذلك الشوارع المدمرة. حبال الغسيل المعلقة بين الحطام والرماد، المخازن المتواضعة، والأطفال يلعبون أتيح لهم من علب الصفيح الفارغة والقطع المعدنية المتروكة في المكان.
لقد شهدت الميادين تحولاً كبيراً في الأحداث، حيث سيطرت قوات ما يعرف بتنظيم الدولة على المدينة في منتصف العام 2014، لتجعل منها ملاذها الآمن وعاصمتها الاقتصادية. لثلاث سنوات، عاش الناس في الميادين تحت الحكم الإرهابي لتنظيم الدولة (داعش). رغم أن الآلاف فروا من الميادين، إلا أن الكثيرين لم يتمكنوا من ذلك.
وقفت في وسط ما كانت في السابق ثاني أكثر المدن اكتظاظاً بالسكان في محافظة دير الزور، ولمست الفراغ. قبل تنظيم الدولة، كانت الميادين تشتهر بإنتاجها الزراعي، وكانت ممتدة على طول دنمات من الأراضي الخصبة الخضراء وغنية بالماشية. الميادين التي تقع على الضفة الغربية لنهر الفرات، كانت يوماً سلة الخبز لكل البلدات القريبة وعرفت باقتصادها الزراعي الغني. لكن كل ذلك تغير في ظل تنظيم الدولة، خاصة بالنسبة للنساء هناك اللواتي أجبرن على ترك الدراسة والعمل.
حوراء هي واحدة من العديد من النساء اللواتي أجبرن على ترك المدرسة والزواج. "كان لدي شغف حقيقي بالتعلم وأحلام كبيرة بأن أصبح ممرضة. الآن، لا أمتلك إلا أن أحوّل شغفي تجاه زراعة أشجار البرتقال في حديقتنا. هذا كل ما بقي لي" أخبرتني حوراء.
أدى القتال الدائر والقصف المستمر في ظل ما يعرف بتنظيم الدولة إلى شل القطاعات الاقتصادية الإنتاجية في الميادين. أحرقت الأراضي الزراعية وتهدمت قنوات الري، عدى عن الجفاف وشح المياه، كما أصبحت المياه النظيفة المأمونة سلعة. اليوم، بعد مضي عامين على خروج تنظيم الدولة، شهدت الميادين بعض التحسن، حيث يستعيد الإنتاج الزراعي زخمه ببطء، لكن المجتمعات الزراعية في المدينة لا تزال تعاني.
يعيش سكان الميادين على شفا انعدام الأمن الغذائي بسبب تراجع الإنتاج ونقص المخابز وارتفاع أسعار المواد الغذائية. أما الدمار الذي لحق بأنظمة إدارة النفايات، زاد المعاناة، خاصة مع تزايد المخاوف الصحية من بعض الأمراض الخطيرة مثل الليشمانيا، وهو مرض جلدي ناجم عن طفيلي ينتشر عن طريق ذباب الرمال ، منتشر على نطاق واسع في الميادين اليوم. المرافق الطبية غير موجودة تقريباً أما الوصول إلى الرعاية الصحية أصبح مستحيلاً إلى حد ما.
أخبرتنا خنساء، وهي امرأة تبلغ من العمر 34 عاماً قصة معاناتها مع التكلفة المرتفعة للرعاية الصحية. هذه المشكلة التي انعكست على معظم السكان، حيث أصبح يتوجب عليهم السفر إلى مدينة دير الزور، التي تبعد مسافة حوالي 40 كيلومتراً، للحصول على الخدمات الطبية. "السفر من وإلى مدينة دير الزور يكلف حوالي 3000 ليرة سورية (حوالي 3 دولارات أمريكية) ، والأطباء يتقاضون حوالي 2000 ليرة سورية لإجراء فحص روتينني. وأوضحت قائلة: "لا أملك هذا المال لذلك فأنا أمنح أولوية زيارات الطبيب لابني فقط". اعتادت خنساء العمل ضمن الأراضي الزراعية لعائلتها والتي دُمرت أثناء تواجد تنظيم الدولة. اليوم، جزء صغير فقط من أراضيهم مناسب للزراعة. "إننا نعيش على الديون طوال العام ثم نعمد إلى سدادها خلال الموسم الزراعي عندما نبيع منتجاتنا".
مفرحة ومؤلمة، هذا ما كانت عليه محادثاتي مع النساء في الميادين، كان مؤلماً ما روينه لي عما مررن به، ولكن كان مفرحاً معرفتي أنهن استطاعن تجاوزه بما يمتلكنه من رغبة للاستمرار. هؤلاء السيدات يتمتعن بالمرونة بشكل كبير. "ربما تتساءلين كيف ما زلت مبتسمةً،" قالت امرأة تحمل طفلها البالغ من العمر 10 أيام وهو ملفوف ببطانيات صوفية للحماية من البرد، "إن ابني هو من يدفعني إلى الاستمرار."
بالرغم من الصعوبات، فقد شعرتُ برغبة النساء في إعادة بناء حياتهن. إن العيش في الميادين أصبح أشبه بلعبة للبقاء، والنساء هناك هن المحاربات. أجمل القصص المروية هي تلك التي تحكي عن المثابرة التي تظهر واضحة على وجوههن. هؤلاء النساء يمكنهن أن يصنعن المعجزات، هن لا يستسلمن، بل يندفعن نحو الأمام رغم كل شيء.هن يؤمنّ بالفرصة الثانية وبأن الشمس لا بد أن تشرق يوماً من جديد.