رحلة بهاء في العمل الإنساني في اليمن

تجري الاستجابة الإنسانية في اليمن في ضل ظروف قاسية وبيئة معقدة. على الرغم من التأثير المتعدد الجوانب على العاملين الإنسانيين والتضحيات الشخصية التي يقدمونها، فإن تفانيهم في مساعدة تحقيق تأثير إيجابي في حياة الناس يشعل حماستهم للمضي قدمًا.

بهاء، والد لأربعة أطفال، عضو في فريق الامن الغذائي في منظمة أوكسفام / اليمن. قبل الانضمام إلى العمل الإنساني، كان بهاء رمزًا للأمل و شخصا مخلصًا يدعم مجتمعه في محافظة الضالع - جنوب اليمن.

قبل تصاعد الصراع ، كانت لدى بهاء حياة مستقرة، وكانت الأمور آمنة نسبيًا، وكان للمال المكتسب بجدارة قيمة فعلية.

مع استمرار الصراع، تغيرت كل الأمور بشكل جذري. انتشرت حالة عدم الاستقرار على نطاق واسع، وأصبحت أصوات إطلاق النار شائعة، وأصبح تأمين الاحتياجات الغذائية الأساسية صعب المنال، وفرض على العديد من العائلات التكيف مع واقع قاس.

أثر الصراع على البلد ككل، لكنه أثر أيضًا على بهاء بشكل شخصي "لقد فقدت الكثير من أحبائي خلال الصراع، وكان علي التخلي عن تعليمي والتركيز على البقاء على قيد الحياة. كان علي أن أتوافق مع حقيقة أنني لن أكون قادرًا على تحقيق أحلامي، و الله وحده يعلم مدى صعوبة تقبل ذلك"

وسط كل تلك العتمة، وجد بهاء بصيصًا من الأمل وقرر أن يتحرك. بالاشتراك مع مجموعة من الشبان، بدأ مبادرات شخصية لمساعدة مجتمعه. "أسسنا بدعم المجتمع مؤسسة إنسانية محلية لمساعدة الفقراء، ثم نجحنا في إنشاء مركز للغسيل الكلوي"، أظهرت هذه الجهود طبيعته الطيبة جداً وشغفه العفوي لتحقيق تأثير إيجابي.

لكن الأمور لم تكن سهلة"، تابع بهاء.

بعد ذلك، انضم بهاء إلى فريق الأمن الغذائي في أوكسفام عام 2018. مليء بالحيوية والحماس بدأ أول يوم عمل له

"أول يوم لي في العمل غيّر وجهة نظري حول طبيعة العمل الإنساني، أتذكر ذلك اليوم عندما انضممت إلى زملائي وسافرنا إلى مناطق نائية لتقديم مساعدات نقدية للغذاء، سرنا عبر طرق صعبة ومناطق معزولة لا تتوفر فيها شبكة الهاتف النقال. كنت قلقًا حتى وصلنا إلى القرية ورأينا اليأس على وجوه الناس و بمجرد ان بدانا بتقديم المساعدات بات قلقي يتلاشى شيئاً فشيئاً". استحضر بهاء.

لاحظ بهاء اللحظات التي فرح فيها الناس بمساعدتهم، مما جعله أكثر عزمًا على المضي قدمًا. "إنه شعور صعب عندما تكون على اتصال نفسي عميق بمعاناة الآخرين"، أكد قائلاً

اختلطت لحظات الخوف والألم، وكذلك لحظات النجاح والأمل. رؤية فرح الناس عندما يتلقون المساعدة ذكرني بأن كل جهد جدير بالتعب الذي يرافقه."

كان عمل بهاء الإنساني حبل إنقاذ للمحتاجين .

في يوم من الأيام، قبل عامين، انضم بهاء إلى زميله "فتحي" ومعهم السائق وسافروا في مهمة ميدانية من عدن متوجهين إلى مخيمات النزوح في محافظة الضالع. وأثناء السير على الطريق السريع، تعرضت سيارتهم لإطلاق نار بشكل مفاجئ وكثيف.

"عندما تعرضنا للهجوم، كنا مرعوبين، اخترقت الرصاصات السيارة من كل مكان. في تلك اللحظة، كنت أسأل نفسي: هل سأعيش؟ هل سأرى عائلتي مرة أخرى؟ كان ثلاثتنا في صمت مطبق، خافضين رؤوسنا خوفا من الرصاص.."

في هذا الهجوم المروع، تعرض فاتحي – مسئول الإمدادات في أوكسفام - لإصابات خطيرة بعدد من الرصاصات مما أسفر عن وفاته بعد ساعات من نقله إلى أقرب مستشفى، بينما أصيب بهاء والسائق أيضًا لكن السائق كانت اصابته خطيرة

""عندما توقفت النيران، كنت مرعوبًا حتى الموت، لم أشعر بإصابتي، انتشرت بقع الدم في كل مكان داخل السيارة، ثم رأيت أشلاء، نظرت حولي لأجد أنها من جسد زميلي فتحي. لم أعرف ماذا أفعل، بقيت أصرخ بصوت عال في السيارة." يستطرد  بهاء لحظات الحادثة بألم.

نجا بهاء والسائق من موت محتوم في هذا الهجوم، وعاشا بصدمة لعدة أشهر بعد ذلك، لكنه لن ينسى أبدًا هذه اللحظة الرهيبة عندما توفي زميله بجواره.

""رأسي يكرر ما حدث مرارًا وتكرارًا، أفكر فيما كان بإمكاني فعله بشكل مختلف لإنقاذ حياة زميلي فتحي، كلما أغمض عيني أشاهد اللحظات التي مات فيها زميلي فتحي وأشلاءه على ملابسي في كل مكان في السيارة رغم يقيني بأن فتحي قد رحل، وأن روحه الجميلة قد تركتنا، لازلت أشعر أن روحي جريحة للأبد.".

تركت تلك الفاجعة علامة دائمة على قلب بهاء، لكنه لم يكن وحيداً، زملاؤه في أوكسفام قدموا له الدعم المستمر حتى استطاع الوقوف مجددًا مع الفريق و مواصلة رفع المعاناة.

تظهر قصة بهاء أن الامل ليس له حدود. بهاء يتمنى ان يرى اليوم الذي تنتهي فيه معاناة اليمن ويعود الاستقرار. كل خطوة أخذها، كل حياة غيرها، جعلته أقرب إلى هذه الرؤية. في أصعب الأوقات، أثبت بهاء أن الانسانية وقوة العزيمة يمكن أن ترسم الأمل في أحلك اللحظات، وأن العمل الإنساني هو مصباح يضيء الطريق نحو عالم أفضل.