خُمُس آبار الماء التي نحفرها الآن جافة أو غير صالحة لشرب البشر حسب تقرير أوكسفام

الأربعاء, أغسطس 30, 2023

 

يشكل انعدام الأمن المائي الناجم عن المناخ أحد أكبر التهديدات للبشرية وسيؤدي إلى المزيد من الجوع والمرض والنزوح

 

 

يُضطرّ مهندسو الماء في منظمة أوكسفام إلى حفر آبار ماء أعمق تكلفتها أكبر وصيانتها أصعب كي تستخدمها بعض أفقر المجتمعات المحلية في جميع أنحاء العالم، وفي كثير من الأحيان لا يُعثر الآن إلا على خزانات جوفية جافة أو مستنفدة أو ملوّثة.

 

واليوم، في بداية الأسبوع العالمي للماء، تنشر منظمة أوكسفام أوّل تقرير من سلسلة تقاريرها، "معضلات الماء"، عن أزمة الماء المتنامية، والتي يرجع جزء كبير منها إلى الاحترار العالمي الناجم عن انبعاثات غازات الدفيئة. ويصف التقرير كيف سيؤثر تغيّر المناخ في الأمن المائي في مختلف المناطق، ما يؤدّي إلى المزيد من الجوع والمرض والنزوح.

 

وقالت نافكوت دابي، المسؤولة في منظمة أوكسفام عن العدالة المناخية العالمية: "في حين ينجم الاحترار العالمي عن استخدام النفط والفحم والغاز، فإنّ البشرية تشعر بضرره بشكل أساسي في أزمة ماء عالمية. ويشكل ذلك أحد أكبر التهديدات للبشرية، وسيؤدي إلى المزيد من الجوع والأمراض والنزوح، لا سيما بالنسبة للبلدان والمجتمعات المحلية الأقلّ استعدادًا لتغيّر المناخ".

 

وتقول بيتي أوجيني، مسؤولة الماء والصرف الصحي في منظمة أوكسفام في أفريقيا، والتي تعمل على الخطوط الأمامية للاستجابة للجفاف في شرق أفريقيا إنّ: "خُمُس الآبار التي نحفرها الآن في المنطقة التي أعمل فيها، ينتهي به الأمر جافًا أو يكون ماؤه غير صالح لشرب البشر. علينا أن نحفر آبارًا أعمق، في تربة محروقة، ما يعني كسورًا أكثر تكلفة. ويحدث ذلك في وقت يتراجع فيه تمويل المانحين للماء".

 

وتضيف أوجيني "يجب علينا استخدام تقنيات تحلية الماء الباهظة الثمن وهي عملية لا تخلو من إشكاليات في بعض الأحيان، لا سيما في التضاريس الأكثر عدائية حيث يتعين علينا العمل. نحن نشهد تغيّر المناخ الآن وهذه المشكلات ستزداد سوءًا".

 

وتعمل أوجيني في أكبر استجابة إنسانية حالية لمنظمة أوكسفام في شرق إفريقيا، حيث يواجه أكثر من 32 مليون شخص الجوع الحادّ - بل والمجاعة - بسبب الجفاف المستمرّ منذ خمسة مواسم، والذي تفاقم بسبب النزاعات والفقر. وتتعرّض مناطق أخرى في نفس المنطقة لفيضانات مفاجئة مدمّرة وأمطار لا يمكن التنبؤ بها، ما يؤدّي إلى تدمير محاصيل البشر وسبل عيشهم.

 

وتقول دابي إنّ "الاحترار العالمي يفاقم من تواتر الكوارث وشدّتها، بما في ذلك الفيضانات والجفاف التي ستضرب البلدان بشكل أكبر وأكثر تواترًا في السنوات القادمة. ويترك النقص الهائل في الاستثمار في تعزيز شبكات الماء البلدان عرضة للكارثة".

 

وقد خلص التقرير إلى أنّه بحلول عام 2040، يمكن أن يتعرّض شرق أفريقيا لارتفاع هطول الأمطار بنسبة 8 بالمئة، مع دورة فيضانات وجفاف تؤدّي إلى ارتفاع كارثي محتمل بنسبة 30 بالمئة في الجريان السطحي. وتغسل تلك الدورة العناصر المغذية من التربة المنهكة أصلًا، وتدمّر بنيتها التحتية. وتقول إنّ ما بين 50 و60 مليون شخص إضافي قد يكونون عرض لخطر الإصابة بالملاريا بحلول عام 2030.

 

كما أورد التقرير أنّ منطقة غرب أفريقيا ستعاني من مشكلات مماثلة نتيجة لأزمة الماء هذه. وتواجه كلتا المنطقتين موجات حرّ أكثر حدّة بنسبة 8 إلى 15 بالمئة وانخفاضًا في إنتاجية العمل بنسبة 11 إلى 15 بالمئة، وسط موجات نزوح وهجرة جماعية، وارتفاع معدلات الفقر والجوع، وتغيّرات المحاصيل وفقدان الماشية، والمزيد من النزاعات الناجمة عن الماء.

 

ستعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من فقر المياه الشديد وتداعيات التغير المناخي. ففي العراق - خامس أكثر دول العالم عرضة لآثار تغير المناخ – تمر البلاد اليوم بواحدة من أسوأ أزمات المياه في الذاكرة الحية. ويدمر الجفاف مساحات شاسعة من البلاد، مما يترك ما لا يقل عن 7 ملايين شخص بدون ماء أو طعام أو كهرباء، ويجبر المزارعين على التخلي عن أراضيهم وحيواناتهم التي تموت حتى يتمكنوا من الهجرة إلى البلدات والمدن.

 

كما قالت أوجيني إنّه "اليوم، وبسبب الجفاف، لم تعد العديد من شبكات الماء التي أنشأتها منظمة أوكسفام صالحة، ما يُضطر المجتمعات الرعوية إلى النزوح والهجرة للبحث عن مراع جديدة. ويقوّض ذلك إدارة المجتمعات المحلية للماء، وهو أمر أساسي للاستدامة وتعزيز قدرة الناس على الصمود".

 

وأضافت أوجيني أنّه "في جنوب السودان، نرى أصلًا كيف تجرف الفيضانات مرافق الصرف الصحي وتغرق الآبار، ما يجعلها غير صالحة للاستعمال. وتضع المزيد من الأمراض التي ينقلها الماء مثل الكوليرا ضغوطًا هائلة ليس فقط على عملنا في مجال الماء والصرف الصحي، بل توسّع أيضًا حجم ونطاق عملياتنا ذات الصلة بالصحة العامّة".

 

وعلى النقيض من ذلك، يقول التقرير إنّه بحلول عام 2040، سينخفض هطول الأمطار بشكل ملحوظ بدلًا من ذلك، وكذلك مستويات الماء وجريان الأنهار، ما سيؤدّي إلى تدهور الأمن الغذائي. كما سترتفع موجات الحرّ بنسبة 16 بالمئة ما سيؤدّي إلى انخفاض إنتاجية العمل بنسبة 7 بالمئة، مع ارتفاع أسعار الماء مع تزايد الطلب عليه.

 

وفي الوقت نفسه، ستتأثر البلدان في جميع أنحاء آسيا بشكل أكبر بارتفاع مستوى سطح البحر، الذي يُحتمل أن يتجاوز نصف متر بحلول عام 2100. وإلى جانب الجريان السطحي وذوبان الأنهار الجليدية، سيؤثر ارتفاع مستوى سطح البحر في طبقات الماء الجوفية العذبة، لا سيّما في المناطق الساحلية حيث يعيش مئات الملايين من البشر. كما يُشير التقرير إلى مزيد من موجات الحرّ في آسيا (8 بالمئة) وانخفاض إنتاجية العمل بنسبة 7 بالمئة، ما يؤدّي إلى مزيد من الفقر والنزوح. كما يورد التقرير أنّ أمراضًا مثل الملاريا وحمى الضنك يمكن أن ترتفع بنسبة مذهلة تبلغ 183 بالمئة.

وسيكون لذلك كلّه آثار غير مباشرة على مصادر غذاء البشر وإنتاجيتهم، ما يفاقم الجوع. وتشير تقديرات منظمة أوكسفام إلى أنّه في 10 من أسوأ نقاط المناخ الساخنة في العالم، من المتوقع أن يرتفع الجوع المزمن بمقدار الثلث في عام 2050 نتيجة لتغير المناخ - أي أنّ 11.3 مليون شخص سيعانون من المزيد من الجوع بسبب تغيّر المناخ - وهو انهيار كارثي يعرقل هدف الأمم المتحدة المتمثل في "القضاء على الجوع".

وتقول التقارير إنّ عقودًا من نقص الاستثمار في أنظمة الماء وسوء إدارتها، وتعرية التربة والتلوث والإفراط في استخدام طبقات الماء الجوفية تؤدي إلى تفاقم أزمة الماء هذه. وقد بات الملايين من الأشخاص المحرومين أصلًا غير مستعدّين لمواجهة العواقب الضارّة لأزمة المناخ. ولم يتم تمويل سوى 32 بالمئة من النداءات الإنسانية العالمية للأمم المتحدة التي تبلغ قيمتها 3.8 مليار دولار من أجل الماء والصرف الصحي في العام الماضي، وتفشل البلدان الأشدّ عرضة لخطر انعدام الأمن المائي في الاستثمار في البنية التحتية للماء.

وبحسب ما أوردته دابي "فقد بدأت بالفعل أسوأ السيناريوهات التي كان العالم في أمسّ الحاجة إلى تجنّبها. وفي ظلّ مسارات الانبعاثات اليوم، يواجه مليارات الأشخاص مستقبلًا غير آمن في ظلّ أزمة الماء المتفاقمة التي تحدث في خضمّ مثل هذه اللامبالاة السياسية. يجب إذًا على الدول الغنية الملوثة أن تخفض انبعاثاتها على الفور وبشكل جذري، وأن تموّل البنية التحتية للماء في المجتمعات الفقيرة.

وختمت دابي بقولها "ما زلنا قادرين على تغيير المسار نحو السلامة إذا اخترنا ذلك، لكن يجب أن نتصرف بسرعة. وتحتاج الحكومات إلى إعادة تركيز اهتمامها واستثماراتها بشكل أساسي في أنظمة الماء كأولوية مطلقة لسياساتها. ويجب أن تلبّي على وجه السرعة طموح الأمم المتحدة البالغ 114 مليار دولار سنويًا لقطاع الماء والصرف الصحي والنظافة، الأمر الذي سينقذ الأرواح اليوم ويؤثر تقريبًا في جميع أهداف الأمم المتحدة لعام 2030".