في سوريا، المفاهيم الخاطئة المتعلقة بفيروس كورونا لا تقل خطراً عن المرض نفسه
في سوريا، المفاهيم الخاطئة المتعلقة بفيروس كورونا لا تقل خطراً عن المرض نفسه
بقلم: دانيه القارح، مسؤولة التواصل والإعلام في منظمة أوكسفام بسوريا
من السهل أن نقع ضحية التضليل، خاصة عندما تقدم المعلومات الخاطئة نفسها كعلاج لتهديد غير متوقع كفيروس كورونا. هذا هو الحال بالنسبة للعديد من السوريين الذين وجدوا أنفسهم مضطرين للتعامل مع انتشار مرض لم يعرفوا عنه الشيء الكثير، بالإضافة إلى الصعوبات اليومية التي يواجهونها والنضال للبقاء الذي خاضوه خلال ما يقرب العقد من الحرب.
منذ تسجيل الحالة الأولى من الفيروس التاجي في سوريا في منتصف آذار، ارتفعت أرقام الإصابات بشكل مطرد. وشهدت البلاد مؤخراً ارتفاعاً حاداً في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا، ما أضاف المزيد من التحديات على الوضع الصعب في البلاد التي عانت ما يقارب العشر سنوات من الحرب. رسميا، هناك 7,887 حالة في وقت كتابة هذا التقرير – وهو عدد يشعر كثير من الناس أنه يمكن أن يكون أعلى بكثير، مع الإبلاغ عن الزيادات في الأيام الأخيرة.
المنحنى يرتفع ، وكذلك المخاوف. بينما يحاول الناس إعادة تجميع ما تبقى من شتات حياتهم معاً بين الحرب وآثارها من جهة والاقتصاد المعطل من جهة أخرى، يستمر فيروس كورونا في جعل وجوده ظاهراً. وللتخفيف من مخاوفهم المتزايدة ، يلجأ الناس إلى آليات التكيف السلبية مثل التقليل من شأن الفيروس، أو حتى رفض الحقائق تماماً.
"هذا ليس فيروس قاتل. لقد مررنا بأسوأ!"
الحرب التي دخلت عامها العاشر دمرت العديد من جوانب حياة الناس في هذا البلد. يشعر الكثيرون أنهم نجوا من الأسوأ، ربما تلك وسيلة للالتفاف على عقولهم بسبب كل ما تعرضوا له من أزمات يواجهونها الآن. هذا هو حال نبيل ، وهو مزارع يبلغ من العمر 53 عاماً التقيته في حمورية ، وهي بلدة تقع شمال شرق دمشق.
"لسنوات، كانت حياتنا تنهار أمام أعيننا. لا يمكنك أن تتخيل الأشياء التي كان علينا تحملها من أجل البقاء على قيد الحياة خلال الحرب. بعد كل هذا ، أعتقد أننا حصلنا على مناعة قوية ستحمينا ضد أي تهديد. أراهن أنه يمكننا التغلب على هذا الفيروس. في النهاية، لا أعتقد أنه أكثر خطورة من الأنفلونزا العادية".
نبيل ليس وحده فيما يعتقده، كثير من الناس يشتركون معه في نفس الرأي. المفاهيم الخاطئة منتشرة. مفاهيم خاطئة تسمح للناس بالتخلي عن حذرهم في الوقت الذي يجب أن يبذلوا فيه كل ما في وسعهم للبقاء في أمان."
"درجات الحرارة المرتفعة ستقتل الفيروس"
كما هي الحال بالنسبة لنبيل، تعتقد ابتسام أن الفيروس لا يشكل تهديدا كبيراً. خرجت الأم لثلاثة أطفال ذات الثامنة والستين عاماً من حيها في عرطوز بريف دمشق عندما تصاعد العنف. لقد فقدت منزلها في الحرب ، لكنها لم تفقد يوماً الأمل في العودة إلى مسقط رأسها. هي من بين عدد لا يحصى من الذين يعتقدون أن درجات الحرارة الدافئة يمكن أن تقتل الفيروس، وهي تمارس حياتها وفقاً لهذا الاعتقاد.
"سوف يتدمر عندما يكون الجو حاراً. كما ترين، أنا لست قلقة بشأن فيروس كورونا، في الشتاء سأحاول أن أبقى دافئة، بينما في الصيف، ستتكفل الشمس بالباقي "، تقول لي باقتناع.
هذه المفاهيم الخاطئة تعرض كل من ابتسام ونبيل للخطر. إن الحروب لا تعزز جهاز المناعة ، بل على العكس ، فهي تستنزف الناس ، وكما هو الحال ، لا يعرف العلماء كيف ستؤثر التغيرات في درجات الحرارة على سلوك هذا الفيروس.
"نقابي سيحميني"
التقيت بنجوى في حرستا وهي مدينة شمال شرق دمشق. نجوى، في الثامنة والأربعين من العمر تعيش مع عائلتها المكونة من خمسة أفراد وتربي الآن أحفادها الثلاث الصغار بعد أن فقدت ابنها في الحرب حيث تعتمد العائلة على ما يمكن أن يؤمنه لهم بعض الأقرباء من مساعدات.
نجوى تعتقد أن ارتداء النقاب هو بنفس فعالية الكمامة عندما يتعلق الأمر بحماية النفس ضد خطر فيروس كورونا. "لقد سمعت أننا يجب أن نغطي أنوفنا لإبقاء الفيروس بعيداً. أعتقد أن النقاب الذي نرتديه سيقوم بهذه الوظيفة. عدى عن أن شراء الكمامات والقفازات وأدوات التنظيف هو عبء مالي إضافي لا يمكنني تحمله." تقول نجوى.
على الرغم من أن كمامات الوجه، الصابون والقفازات هي أشياء لا يمكن للكثيرين في سوريا تحمل تكلفتها إلا أن اللجوء إلى النقاب فقط من أجل الحماية يمكن أن يعرض الناس لخطر انتقال الفيروس. بما في ذلك نجوى وعائلتها المقربة. حتى الآن، لا يوجد دليل على أن النقاب يؤدي دور كمامة الوجه بنفس الفاعلية. تقترح مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها توصيات واضحة بأن الكمامات النسيجية يجب أن تحكم الإطباق بشكل مريح على جانبي الأنف وهذا ما لا يؤديه النقاب بشكل جيد.
"العلاجات العشبية سوف تبقيني في أمان"
ناصيف، 41 سنة، هو مزارع من حمورية - ريف دمشق. هو كغيره يؤمن بالطب التقليدي والاعتماد على خيارات بديلة كي يحمي نفسه من فيروس كورونا. "أنا أشرب الأعشاب والسوائل الساخنة. كما أنني أغسل أنفي وفمي بالمياه المالحة. سمعت أن هذا يمكن أن يحميني من الإصابة بالعدوى القاتلة."
هذا في الواقع خطأ. في حين أن بعض الأعشاب والشاي لها خصائص طبية مفيدة، إلا أنه لا يوجد دليل يشير إلى أن الأعشاب والمياه المالحة يمكن أن تحمي الناس من الإصابة بالفيروس التاجي
تغيير السلوك يمكن أن ينقذ الأرواح
نعم، لدى الناس في سوريا الكثير من الصعوبات للتعامل معها، هذا صحيح. لكن الأشخاص الأكثر ضعفاً لن تتاح لهم فرصة للبقاء إذا استشرت المفاهيم الخاطئة في المجتمع. في حين ينصب التركيز الأكبر حالياً على الاستجابة للوباء وتأثيره، إلا أن زيادة الوعي وتحدي المفاهيم الخاطئة أمران لا يقلان أهمية.
هذا هو السبب في أن أوكسفام في سوريا تقود حملة توعية وطنية حول فيروس كورونا تستهدف ما يقرب من خمسة ملايين شخص في جميع أنحاء البلاد للتغلب على المفاهيم الخاطئة حول الفيروس والتركيز على المعلومات الدقيقة وتشجيع السلوكيات الصحية الإيجابية. بذلك نأمل أن نسهم بإنقاذ الأرواح. تقدم منظمة أوكسفام أيضاً المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، مثل المياه النظيفة ومستلزمات النظافة والمساعدات النقدية لمساعدة العائلات على تجاوز هذه المحنة.