ليس هناك وقت لنضيعه : كيف ساعدني مشروع اعادة التدوير على استعادة احساسي بأهميتي في مخيم الزعتري
ليس هناك وقت لنضيعه : كيف ساعدني مشروع اعادة التدوير على استعادة احساسي بأهميتي في مخيم الزعتري
بقلم: جاسم الوريور
بالرغم من قلة فرص العمل المتاحة لدى جاسم وهو أحد اللاجئين السوريين المقيمين في مخيم الزعتري في الأردن، إلا أن جاسم يملك المهارة والخبرة التي طورها على مدار 15 عاما في مجال إدارة النفايات ليستخدمها في تحسين ظروف اللاجئين في المخيم وتقليل الضرر على البيئة، يتحدث جاسم في هذه المقالة عن الفرص التي يتيحها برنامج العمل مقابل الأجر ومحدوديتها، ورغبته بالعمل بشكل قانوني خارج المخيم.
منذ عام 2011، اضطرت أنا ومئات الآلاف من السوريين اللجوء إلى الأردن بحثا عن الأمان، حيث يعيش حاليا ما يقارب 80 ألف شخص في مخيم الزعتري من ضمنهم عائلتي UNHCR 2016)).
قبل بدء الأزمة السورية، كنت اقيم مع عائلتي في منطقة الغوطة، بالقرب من مدينة دمشق. في ذلك الوقت كنت أملك منزلا وسيارة والمال الكافي للعيش بشكل مريح، كنت في الأربعين من العمر لدي عائلتي وعملي الناجح في مجال إدارة النفايات الذي تمكنت من تطويره خلال خمسة عشر عاما من العمل الشاق. كنت أدير اربعة مكبات للنفايات التي تقوم بمعالجة النفايات والمواد القابلة لإعادة التدوير، وكان لدي أكثر من 400 عامل.
مع مرور الايام بدأ الوضع في سوريا بالتدهور لدرجة أجبرتنا على الفرار مع أطفالنا. قدمت عائلتي الى مخيم الزعتري في الأردن في شهر سبتمبر/أيلول 2013، بعد رحلة ليلية شاقة وخطرة عبر الصحراء، كما انني لحقت بهم بعد فترة قصيرة. كلاجئين واجهنا العديد من الصعوبات في التكيف مع الحياة في المخيم، لدي أربعة عشر من الأبناء، ستة منهم من ذوي الاحتياجات الخاصة. هنا الوضع مختلف ففي سوريا لم نكن نعش في خيم، وكما ان البرد قارس جداً في فصل الشتاء والحرارة شديدة في فصل الصيف، وكذلك كانت النفايات منتشرة بشكل كبير في كل مكان وكانت سبباً لتراكم الحشرات والآفات الأخرى، وبالرغم من وجود حاويات للقمامة في المخيم إلا أنها لم تستوعب العدد الكبير من النفايات التي أدت إلى تراكمها على الأرض خارج الحاويات المخصصة.
بعد بضعة أشهر من قدومي إلى مخيم الزعتري، بدأت بالعمل ضمن برنامج الأجر مقابل العمل في احدى المنظمات الدولية، التي توفر الدخل الأساسي للاجئين السوريين مقابل عملهم، وكانت مهمتي هي تنظيف شوارع المخيم. بالنسبة لي لم اشعر بالرضى عن هذا العمل، ولكنه ساعدني على كسب بعض المال لدعم عائلتي واستغلال الوقت في المخيم.
كنت في غاية الحماس لاستخدام مهاراتي من جديد
في بداية عام 2015، أخبرني المهندس الأردني "وسام" بأنه سيقوم بإدارة مشروع تجريبي جديد لإعادة تدوير النفايات في واحدة من القطاعات داخل مخيم الزعتري. حيث كانوا بحاجة لإيجاد وسيلة لجمع وفرز وبيع المواد القابلة لإعادة التدوير، مع توفير دخل أساسي للأسر السورية. عرف وسام عن خبرتي في مجال إدارة النفايات في سوريا، وبدأ في الاتصال بي والاستفسار حول هذا الموضوع طالباً مني المساعدة بالتفاصيل الصغيرة والكبيرة منها، كنت في غاية الحماس لاستخدام مهاراتي من جديد. ومن ثم عرض علي إدارة المشروع التجريبي الجديد لإعادة التدوير والعمل الى جانب وسام، وبالطبع وافقت على ذلك.
وبشكل تدريجي بدأت باشغال وقت الفراغ الذي كان ينتابني منذ وصولي إلى مخيم الزعتري.
أصبح مشروع إعادة التدوير أمرا مهما جدا بالنسبة لنا. في البداية واجهنا أنا ووسام العديد من المشاكل، وبدا وكأن كل شيء فيما يتعلق في بيئة الزعتري مختلفا عما اعرفة عن البيئة في سوريا، وكانت هناك العديد من التحديات التي تظهر في وجهنا دائما. ولكننا صمدنا في وجه جميع هذه التحديات، كنا نعمل حتى وقت متأخر من الليل، وحتى في أيام العطل - ولم نكن نمانع. كنا نفعل هذا ليس من أجل المال فحسب بل لأن مشروع إعادة التدوير أصبح أمر شخصي بالنسبة لنا. وكان يجب ان يعمل المشروع ليستمر.
بشكل تدريجي بدأت باشغال وقت الفراغ الذي كان ينتابني حين وصولي إلى مخيم الزعتري.
بالنسبة لإعادة تدويرالنفايات هنا في دول الشرق الاوسط فنحن بحاجة لأشخاص او شركات لشراء هذه المواد. عندما كنت اعمل في دمشق كان لدي معارف في الاردن مختصين في التجارة بالمواد القابلة لاعادة التدوير، ولكن في بداية الأمر لم أتمكن من ايجادهم بسهولة حيث فقدت معلومات الاتصال بهم بسبب الحرب، ولكن قمت أنا ووسام بايجادهم ولكن عروض السعر التي قدموها كانت أقل من سعر السوق ولكن من خلال مفاوضاتنا تمكنا من التوصل إلى سعر أفضل يرضينا.
بدأنا ملاحظة التحسن خطوة بخطوة، وبعد ثلاث سنوات تطور المشروع التجريبي الصغير ليمتد ويشمل جميع قطاعات المخيم حيث يتم الآن جمع النفايات من جميع القطاعات في مخيم الزعتري. وكذلك أسهم المشروع في تقليل نسبة النفايات ب 21٪ وابعادها عن مكب النفايات الرئيسي - وهذا يعادل 259 طن أسبوعيا (Brangeon and Kucharski 2017)! وقد اختفت تقريبا جميع أكوام القمامة والحشرات والآفات التي كانت منتشرة بشكل كبير حين قدومي للمخيم.
فوائد هذا المشروع ليست حصراً على البيئة فقط، حيث يدعم المشروع اللاجئين السوريين العاملين فيه ضمن برنامج العمل مقابل الأجر والذي يضم 180 رجلا وامرأة تتوزع مهامهم حول تثقيف المجتمع في مخيم الزعتري بأهمية إعادة التدوير، جمع المواد القابلة لإعادة التدوير من المنازل عبر العربات، وتحويل النفايات إلى مواد يمكن بيعها للتجار. مثلي تماما فان العديد من افراد فريق العمل مقابل الاجر في مشروع اعادة التدوير قدموا الى المخيم وهم يملكون الخبرات والمهارت السابقة والتي تنعكس ايجابا على المشروع، فالبنسبة لمن كان عملهم في مجال الخياطة فهم يقومون بصنع السجاد من الملابس القديمة لاستخدامها في فصل الشتاء، وبالنسبة للمهندسين فهم يقومون بصنع ألعاب آلية للاطفال، أما المزارعين فيقومون ببناء عدة بيوت بلاستيكية من العلب البلاستيكية القابلة لاعادة التدوير من أجل زراعة الخضراوات الطازجة.
لا بد من الفرد أن ينجح في العمل الذي يحبه حقا.
في الوقت الحالي، فان برنامج العمل مقابل الاجر يعد وسيلة جيدة للسوريين المقيمين في مخيم الزعتري من أجل كسب بعض من المال ، ولكن المبلغ المالي الذي نتقاضاه قليل جداً ويتم استكماله بالمساعدات التي تصلنا. مقارنة بعملي في سوريا فان ما كنت اتقاضاه خلال يوم واحد يستغرق مني أربعة أشهر هنا لكسبه. الفرص المعيشية المتوفرة محدودة جداً ومن الصعب على السوريين العمل بشكل قانوني في الأردن، وخاصة الذين يعيشون في المخيم.
هناك العديد من الافراد ممن يملكون المهاراة والخبرة، ولكن ليس ضمن هذه المجالات المحدودة.
سعدت بما وعدته الحكومة الأردنية العام الماضي من إصدار تصاريح عمل للاجئين السوريين (Government of Jordan 2016)، ولكن هذا القرار لم يؤثر علي بأي شيء لغاية الآن، وكذلك فان تصاريح العمل المتوفرة للسوريين محصورة في قطاعات محددة كالزراعة والخدمات والبناء، الا ان هناك العديد من الناس ممن يملكون المهاراة والخبرة، ولكن ليس ضمن هذه المجالات المحدودة. أما بالنسبة للمقيمين في مخيم الزعتري، فإن الأمر أكثر تعقيدا.
في الوقت الراهن فان المستقبل بالنسبة لنا كلاجئين سوريين غامض. فأنا وعائلتي نقيم في مخيم الزعتري منذ أكثر من ثلاث سنوات، في منازل مؤقتة لانملك فرص عمل دائمة، وبالرغم من صعوبة الأمر الا اني اود بان ابني على ما أنجزته هنا والعمل في مجال إعادة التدوير خارج المخيم في احدى مدن الأردن.
أتمنى في يوم من الأيام أن يحل السلام في سوريا وأن أتمكن من العودة مع عائلتي لاستعادة عملي واعادة بناء وطني الجميل، ولكن نحن باقون هنا لغاية تلك اللحظة.
جاسم الوريور، لاجئ سوري من منطقة الغوطة في سوريا، يعيش حاليا مع عائلته في مخيم الزعتري للاجئين في الأردن. تمركزت حياة جاسم المهنية في مجال إدارة النفايات، حيث كان كان يدير في السابق عدد من مكبات النفايات في سوريا، ويستخدم جاسم الآن خبرته في مجال إدارة النفايات لدعم مشروع إعادة التدوير الذي يخدم سكان مخيم الزعتري. فهو يعمل حاليا كمسؤول في فريق العمل مقابل الاجر ضمن مشروع أوكسفام لإعادة التدوير في مخيم الزعتري.
الآراء في هذه المقالة هي آراء المؤلف وحده ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر Oxford Monitor of Forced Migration