الحياة والعمل في ظل الازمة اليمنية

الحياة والعمل في ظل الازمة اليمنية

الحياة والعمل في ظل الازمة اليمنية

عشرون شهرا منذ تصاعد النزاع، ويزداد الوضع المعيشي سوءا في اليمن. بعد وقفة قصيرة في الصيف الماضي، كُثفت الغارات الجوية اليومية في جميع أنحاء البلاد، يترافق معها القتال العنيف في العديد من المناطق. سوء التغذية آخذ في الارتفاع، والكوليرا ينتشر، وعدد الاشخاص ذوي الحاجة في تزايد مستمر.

يبقى واقعنا اليومي قاتما. كل صباح، اواجه حالة من عدم اليقين  حال خروجي الى العمل واتساءل: هل سأعود هذا المساء؟ و إذا عدت، هل سأجد منزلي؟ هل ستكون اسرتي على قيد الحياة؟

لربما يمكنني وصف الحياة اليومية في اليمن بطريقة اخرى, وهي كمن سافر عبر الزمن الى الوراء 400 سنة. لقد تعودنا اليوم على العيش من دون كهرباء, من دون حتى ان نأمل بأنها ستعود. المولدات الكهربائية غالية جدا بالنسبة للاغلبية من الناس, والقليل منهم يمتلكون طاقة شمسية. يمكنني فقط الحصول على الكهرباء حينما اكون في مكتبي في منظمة اوكسفام. لقد تعودنا على غياب الكهرباء في منازلنا حتى انه اصبح من المستحيل ان نتذكر كيف كانت الحياة مع الاضواء, والثلاجة, و التلفاز. عدد قليل من الناس يستخدمون السيارات بسبب اسعار الوقود الباهضة, لا يوجد حتى سيارات اجرة او وسائل نقل عام, عوضا عن ذلك الناس هنا يستخدمون الصديق القديم الذي يمكنهم دوما الاعتماد عليه وهو الحمار.

الاهم من ذلك اننا لم نعد نتمتع بمزايا الطب الحديث: اكثر من نصف المراكز الصحية في اليمن قد اغلقت والبعض منها يعمل بشكل جزئي, كما ان الكثير من الادوية غير متوفرة, لانها لم تعد تصل الى اليمن. توفيت قريبتي العام الماضي وذلك بعد تعافيها من عملية نقل كلية اجريت لها في جمهورية مصر, فمع استمرار الضربات الجوية والحصار لم نتمكن من الحصول على الدواء الذي يحد من رفض جسم قريبتي للكلية المزروعة, توسلت عبر الفيسبوك للحصول على الدواء وفي غضون ساعات عرض علي المساعدة اكثر من سبعين شخص, وتمكنوا من توفير العلاج المناسب بعد حوالي اربعة اة خمسة ايام, ولكن حينها لم تكن قريبتي تستجيب للعلاج , وتوفيت بعد اسبوع.

تظل النقود هي الاساس, ولكن الكثير من الناس قد باعوا الكثير من مقتنياتهم ولم يعد لديهم مايمكن بيعه. عدد قليل من الناس يمتلكون وظائف, والرواتب الحكومية لم تقبض منذ اشهر, بالاضافي الي وزوجتي واطفالي فأني اعيل اكثر من خمسين فردا من عائلتي الكبيرة وذلك من مرتبي انا فقط. في القرى, يقوم اقاربي بزراعة المحاصيل النقدية ليجنوا بعضا من المال, ولكنهم لا يملكوا مايكفي للتعامل مع الاوقات العصيبة والاحتياجات الطارئة لاسرهم.

لازال بامكان ميسوري الدخل الحصول على الغذاء , بالرغم من شحته في بعض الاوقات. حتى الاكل اصبح شيئا من الماضي, بسبب القليل من الصادرات فالوجبات التي نتمكن من الحصول عليها تختلف كثيرا عما تعودنا عليه قبل الحرب. الكثير من العائلات تعيش على وجبة واحدة في اليوم واخرى تعطي الاوليوية للاطفال ويبقى الكبار بلا غذاء بسبب شحته. اما الفقراء والذين اضطروا لمغادرة منازلهم بسبب القصف الجوي والنزاع المسلح, فالكثير منهم يعيش على الصدقات واحسان الناس.

اوكسفام وغيرها من المنظمات الانسانية يقدموا الاحتياجات الاساسية كالغذاء والماء, وخدمات اخرى كالصرف الصحي, والنقد مقابل العمل عن طريق الدفع للمحتاجين كمقابل لاصلاح البُنى التحتية المياه والصرف الصحي, وبذلك اوكسفام تحفظ لهم كرامتهم الى جانب الغذاء. حتى اليوم قامت اوكسفام بمساعدة اكثر من 57,000 شخصا في محافظة عمران وذلك حيث اعمل, واكثر من مليون شخصا في اليمن ككل.

الشئ الوحيد الذي تبقى لنا منذ سافرنا اربعة قرون الى الوراء هو الهاتف المحمول, فمن خلاله نستطيع التواصل مع الاهل والاصدقاء ومع العالم الخارجي. ولكن ذلك لم يكن ممكنا لولا اصحاب المولدات الكهربائية الذين وفروا لنا الطاقة لشحن هواتفنا النقالة. لقد انحصرت حياتي الاجتماعية الى اسرتي وبعض الاصدقاء, لا استطيع السفر لحضور الاعراس والجنازات وغيرها من المناسبات الاجتماعية لخطورة التواجد فيها بسبب القصف الجوي. فعلا حياتنا الاجتماعية في انحصار مستمر.

حاليا, يركز الاعلام العالمي علي الحرب في سوريا واثارتدميرها بالاضافة الى العدد الهائل من اللاجئين الذين نزحوا الى كل بقاع الارض. الازمة اليمنية منسية  بشكل كبير, وقي ظل الحصار التام القليل من الصحفيين يسمح لهم بالدخول. مع اغلاق جميع المنافذ لا يوجد مفر لمن يعاني في الداخل بسبب النزاع  فلا مجال لهم سوى ان يبحثوا عن سبل النجاة بما هو متوفر.

فلنستمر في العمل حتى لاتكون اليمن ازمة منسية....