المتضررين من حرب اليمن وقوتهم في مواجهة الشدائد

المتضررين من حرب اليمن وقوتهم في مواجهة الشدائد

مع شروق الشمس التي تغطي الجبال الصخرية بمعطفها الذهبي، تم الترحيب بنا في اليمن من قبل الصيادين وكذلك الدلافين وهي تقفز خارجة من المياه الزرقاء. بعد رحلة استغرقت 14 ساعة على متن القارب من جيبوتي، كان منظر مدينة عدن في الصباح الباكر ساحرا. في البداية، بدت الحياة في المدينة طبيعية: كانت فواصل الطريق حديثة الطلاء، وكان الناس يتحدثون وهم يحتسون الشاي الأحمر أو يتناولون وجبة الإفطار في المطاعم الصغيرة، وكان الشباب يلعبون البلياردو في الشارع، بينما يهتف سائقي سيارات الأجرة ليجمعوا الركاب. على اي حال، بينما انتقلنا الى  المدينة، ظهرت المباني التي مُزقتها الطلقات النارية مُشكلة ثقوبا عليها، وبدت بناياتُ العديد من المناطق السكنية والفنادق مدمرة، وكانت السيارات تنتظر طوابير طويلة لتتزود بالوقود. كانت هذه اللوحة  من التناقضات تحكي قصة عدن.

في اليوم الثاني بعد وصولنا، سافرنا إلى لحج مع فريق العمل بمحافظة عدن، وكان حديثنا يدور حول عمل أوكسفام في عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى، وعن التدمير الظاهر أمام أعيننا، والشاهد على الصراع الذي عانت منه اليمن خلال السنوات القليلة الماضية.

وفي ظل هذه البيئة المتقلبة وغير الآمنة، تستمر منظمة أوكسفام في توفير المياه النظيفة وتحسين وسائل الصرف الصحي ودعم النظافة العامة والشخصية الأساسية لأكثر من 130 ألف شخص متضرر في محافظة لحج.

 يسافر الفريق أحيانا لأكثر من ساعتين إلى ثلاث ساعات للوصول إلى المواقع المستهدفة، وبالتالي، فإن إشراك المجتمع المحلي يعتبر عاملا رئيسيا في تقديم المساعدة. يقوم موظفوا اوكسفام جنبا إلى جنب مع المتطوعين المجتمعيين بالتشاور مع المجتمع المتضرر وكذلك القادة المجتمعية بتحديد نوع التدخل. يشارك المجتمع المتضرر في ألانشطة المتعلقة بإمدادات المياه والصرف الصحي والنظافة العامة والشخصية ، كما يعمل أيضا وبشكل وثيق مع المجتمعات المضيفة لضمان الحفاظ على الانسجام الاجتماعي.

في لحج، يتم التركيز على إعادة بناء انظمة إمدادات المياه لمساعدة النازحين وكذلك المجتمعات المحلية للحصول على المياه باقل التكاليف، كما تعمل منظمة أوكسفام مع السلطة المحلية للمياه والصرف الصحي لضمان استدامة وجدوى النظام الذي تم تأهيله. كان النازحون في هذه المناطق يقومون بجمع المياه مرة واحدة فقط في الأسبوع بسبب المسافات الطويلة التي كان عليهم قطعها للوصول إلى الآبار. الآن اصبح بإمكان النازحين والمجتمعات المُضيفة الوصول إلى المياه يوميا. وأوضح أعضاء المجتمع المحلي أن الحرب أثرت على الجميع، وانهم جميعا يتشاركون الحزن والألم ويدعمون بعضهم البعض. إن الترابط القوي بين النازحين والمجتمعات المُضيفة على الرغم من ارتفاع مستوى العناء يشير إلى أن الشعب اليمني قد قطع شوطا طويلا من الحروب والصراعات وبالتالي فهو أكثر قدرة على الصمود والتأقلم.

إن تأثير الحرب والصراعات على عدن والمحافظات المحيطة بها مرتفع جدا، فقد تأثر أكثر من مليوني شخص منذ بداية الأزمة، كما يستمرُ انعدام الأمن الغذائي في محافظات لحج وأبين والضالع بالارتفاع، لتصبح تلك المحافظات من بين المحافظات الاكثر احتياجا للمساعدات الغذائية في اليمن.

أن مأساة ومعاناة عبد الله ( 70 عاما) والذي اُضطر إلى الفرار من أبين خلال ذروة الحرب، تتحدث عن نفسها. ومع ذلك، فهو يعتقد أن السلام سيعود إلى اليمن، ولكن من اجل البقاء على قيد الحياة، كان عليه أن يرهن بطاقة معاشه التقاعدي لإطعام أسرته. هناك الكثير من الناس غير المرئيين مثله وكلهم يرغبون في رؤية السلام يعود إلى اليمن مجددا من اجل ان يتحسن وضعهم البائس.

في البداية وفرت المجتمعات المضيفة ذات الاستطاعة مساحات للمشردين، لكن الان وبالاضافة الى ذلك فقد بدأ النازحون يستقرون في اراض قاحلة بمفردهم. أما أولئك الذين تمكنوا من العودة فقد تأثروا بشدة بسبب تفشي وباء الكوليرا. كما أدى عدم توفير الرواتب لموظفي الحكومة إلى زيادة العبء على الأسر المُستضيفة للأسر النازحة. ولا تزال المياه والمساعدات الغذائية والرعاية الصحية هي أهم ثلاث أولويات.

لقد وصلت المشقة إلى اعلى المستويات حيث اصبح المتضررون على استعداد لرهن أي شيء بل كل ما يملكون. وقد توقفت الخدمات والمرافق الأساسية عن العمل الى حد كبير، بما في ذلك المياه والتعليم والصحة مما زاد من الضغط على المجتمعات المتضررة.

سليمة * متطوعة في مجال الصحة المجتمعية وتعمل مع منظمة أوكسفام وتعتبر مساعد حقيقي على التغيير. تقوم سليمة برفع الوعي لدى المجتمعات المحلية المتضررة عن أهمية المياه النظيفة والآمنة. تقوم سليمة بزيارة المنازل والتحدث إلى النساء والشيوخ والفتيات الصغيرات لضمان فهمهم للرسائل الرئيسة وتطبيقها. ان زيادة عدد الاشخاص من امثال سليمة في المجتمعات المحلية المتضررة يساعد على إعادة بناء حياتهم دون اي توقعات عدا الحفاظ على بل وتنمية الترابط الاجتماعي. في العام الماضي عندما تم الإعلان عن تفشي وباء الكوليرا في اليمن، كانت عدن من بين محافظات أخرى مثل الحديدة التي سُجلت فيها معظم الحالات المشتبه باصابتها بالكوليرا.

عندما عدنا من لحج، ذکرتنا رائحة ومذاق "المندي" (وجبة دجاج محلية مع أرز) وعجينة القمح مع الطحين المطبوخة محليا (الروتي) أن صمود الشعب اليمني وقف شامخا في مواجهة المحن. وفي النهاية، حينما غادر قارب "أبولو" عدن بعد غروب الشمس، ومع ضجيج الموجات المتدفقة واقتراب موعد الظلام، تذكرنا أن شروق الشمس سوف يرحب بنا عند الوصول وإن الاحتياجات الإنسانية في عدن والمحافظات المحيطة وان بدت كبيرة فلابد للسلام ان يُشرق بعد ظلام الحرب.

 

سجاد محمد ساجد, المدير القطري لمكتب اوكسفام في اليمن

* تم تغيير الاسم حتى لا يتم الكشف عن هويتها.