سيكون هنالك وقت...للسلام في اليمن

سيكون هنالك وقت...للسلام في اليمن

كان هنالك وقت حين كان صوت الطيران يسعدني. كان ذلك الصوت يذكرني بعطلة جميلة انتهت للتو او بمخططاتي للرحلة القادمة.

الان حينما اسمع صوت الطائرات تحلق في السماء, اخاف مما ستأتي به. ابدأ بالتركيز في حالة ان هنالك ضربة قادمة وابدأ بحساب عدد الضربات الجوية, حتى تلك البعيدة: واحد, اثنان, ومع الضربة الثالثة يتم اقتيادنا للدور السفلي, غالبا في منتصف الليل. احيانا هنالك ضربتين فقط, ولكن ذلك اسوأ فأني لا استطيع العودة مجددا الى النوم منتظرة الضربة الثالثة.

بعض الضربات الجوية قوية جدا لدرجة انها تهز المنزل, نشعر بالاهتزاز حتى ونحن في الدور السفلي. ومهما حاولنا ان نقنع انفسنا باننا في مأمن, فنحن حقيقة لا نعلم متى سنحسب كأضرار جانبية او مجرد خطأ ارتكبه هؤلاء الطيارون ذوي التدريب العالي.

كان هنالك وقت تعتبر فيه رؤية اناس مسلحين مفخرة وحداثة. اذكر حينما كنت في الولايالت المتحدة الامريكية عقب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر , كانت الشوارع مليئة بالقوات المسلحة, وفي احد المرات حين كنت ذاهبة الى مكتبة الولاية, التقطت صورة لسائح مع احد الجنود المختصون بحماية الاماكن العامة, وكان الجندي مبتسما انذاك.

هنا في اليمن والتي تعتبر الدولة الثانية في العالم من حيث اكبر عدد للاسلحة, اصبح من الطبيعي بالنسبة لي رؤية اناس مسلحون, وبالرغم من اني لا اخرج كثيرا بسبب الوضع الامني, فخروجي لا يتعدى المطار او المسكن, الا اني لاحظت العدد الكبير للمسلحين. لاتبدو عليهم مظاهر العنف فهم يحملون اسلحتهم تماما كما يحمل الرجال حقائبهم في الدول الاخرى. ذلك بالطبع من دون احتساب الخنجر اليمني المشهور والمعروف بأسم "الجنبية". واني وبشكل شخصي اعتبرها قطعة زينة اكثر من كونها سلاحا.

كان هنالك وقت كانت فيه فكرة الاطفال المجندين مجرد نظرية اكاديمية او عنوان بحث ينبع من ايماني العميق يحقوق الاطفال وضرورة حمايتهم من الضرر. ولكن هنا في اليمن ذلك واقع يومي تعيشه عند المرور بكل نقطة تفتيش على طول الطريق.

كان هنالك وقت كانت فيه رؤية الاطفال في هذا العمر يتبعها دردشة عابرة مثل اي مدرسة يرتادون وفي اي صف يدرسون. وذلك يستدعيني في الاخير الى تتويج تلك المحادثة بتفريغ جيوبي من الاقلام والحلوى وتوزيعها عليهم.

اليوم حين ارى هؤلاء الاطفال وقد اثقلت الاسلحة كاهلهم , لا اقول شئا, اتضاهر اني لا افهم اللغة التي يتكلمون بها واختبئ خلف نظارتي الشمسية منتظرة تلك اللحضة ان تمر. اثناء الانتضار افكر, أي مستقبل يرجوه هؤلاء الاطفال وأي مستقبل ستحضى به الدولة واطفالها محرومين من التعليم ومن الطفولة.

كان هنالك وقت عندما كان مفهوم الحرب نظريا, رسمه ماشاهدته في التلفاز والافلام او في الاخبار. جميعنا يعلم ان الاخبار متحيزة وان الامور ليست سيئة كما تصورها وسائل الاعلام, لكن في الحقيقة الامور سيئة وربما تكون اكثر سوءا في المناطق التي لا يتمكن الاعلام من الوصول اليها.

الحرب لعبة قذرة وما ادهشني فعلا انه وبلا ادنى شك ان الدول الرائدة في مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان هي نفسها المستفيدة من الحرب في اليمن وفي المنطقة.

كان هنالك وقت حين اعتقدت ان قيمنا الاخلاقية قوية بما فيه الكفاية لحماية الضعيف وصون حقوقه, لكني الان اعرف ان هذه المبادئ مجرد مبادئ, لا تصلح الا ان تكون ضمن خطاب انتخابات رئاسية او محاضرات ادبية. اما في الواقع فالحرب مستمرة طالما وان حياة الانسان ليست اغلى سلعة وقيمتها تختلف من بلد الى اخر.

اتمنى ان يأتي الوقت الذي اتمكن فيه من استكشاف اليمن كما استكشفت بلدان اخرى حول العالم, اتمنى ان اتمكن فيه من زيارة صنعاء القديمة وجزيرة سقطرى دونما الخوف من الاختطاف او العنف او الحرب.

عاجلا ام اجلا سيأتي ذلك الوقت, ولكن للاسف كلما تأخر السلام كلما دفع الابرياء الثمن.

سيكون هنالك وقت...للسلام في اليمن.