بعد مرور عام على اتفاق ستكهولم: آمال اليمن المتلاشية في السلام

بعد مرور عام على اتفاق ستكهولم: آمال اليمن المتلاشية في السلام

هذه المدونة بمساهمات من عبد الواسع محمد ، هانا كوبر ، إبراهيم الوزير ، عمر الجنيد ، سغال بافو ، طه ياسين وزياد الصليحي.

في 13 ديسمبر 2018 ، اجتمعت الأطراف المتحاربة في اليمن لتوقيع اتفاقية ستوكهولم. ولكن بعد مرور عام لا تزال حياة الناس في جميع أنحاء اليمن يشوبها الدمار بسبب النزاع، وما زال المدنيون في محافظتي الحديدة وتعز – اللتان كانتا احدى البنود الأساسية للاتفاقية - يعانون نتيجة عدم مقدرتهم على الوصول إلى إحتياجاتهم من الغذاء والماء والرعاية الصحية.

كلما طال أمد الصراع كلما تدهورت ظروف للمدنيين العاديين. بحسب تقدير احدى الجهات مؤخراً، فأن خمس سنوات أخرى من الصراع ستكلف 29 مليار دولار إضافية للمساعدات الإنسانية فقط، كما إن القتال الذي يشهده اليمن قد أعاد التنمية في البلاد إلى الوراء بمقدار 21 سنة.

في شهر ديسمبر 2019م، التقت منظمة أوكسفام مع سكان مدنيين في مديرية الدريهمي ومحافظة تعز وتحدثت معهم لفهم الكيفية التي يعيشون بها بعد مرور عام على توقيع اتفاقية ستوكهولم. وفيما يلي، نعيد سرد قصص نهى وعائشة ووفاء وموسى وهدى. وقد كانوا جميعاً متفائلين عندما تم توقيع الاتفاقية قبل عام، ولكن كما أخبرنا موسى: "كنا نأمل أن يتحقق السلام ولكن لم يحدث أي شيء".

تُظهر قصصهم مدى أهمية احترام الأطراف المتحاربة في اليمن لشروط اتفاقية استكهولم دونما تأخير، وإعلان وقف لإطلاق النار على مستوى البلاد لإستئناف محادثات السلام التي طال انتظارها.

القصة رقم 1


قصة نهى (تعز): " نريد أن ينتهي هذا الصراع لأن الحروب لا تجلب سوى الدمار".

قبل إندلاع الحرب، كانت نهى وأسرتها تعيش حياة مريحة في مدينة تعز. كان زوجها يعمل في مجال البناء ولم يكن يواجه أي صعوبة في توفير الطعام لأفراد أسرته، لكن كل ذلك تغير عندما وصل الصراع إلى تعز.

"توفي زوجي عندما اندلعت المواجهات في المدينة حيث كان يعمل في ذلك الوقت. لم يستطع الخروج من ذلك المكان وأصابته رصاصة طائشة في صدره واخترقت قلبه وفارق الحياة على الفور".

"كان زوجي رجلاً مسالماً ولم يؤذي أي كائن حي أبداً. أصبت بصدمة عندما علمت بمصيره، وما زلت غير قادرة على استيعاب ما حدث حتى الآن. لا استطيع حتى الآن أن أصدق أنه قد رحل وتركنا."

تعيش نهى وأطفالها الثمانية في غرفة واحدة صغيرة، حيث يعتمدون على المساعدات الأساسية التي يحصلون عليها من منظمات الإغاثة.

"أتمنى أن تنتهي هذه الحرب فقد عانى الناس بما فيه الكفاية. إننا نعاني للبقاء على قيد الحياة والحزن يملأ قلب الجميع. إنظر حولك فقط وستجد الكثير ممن فقدوا شخصاً موسىزاً عليهم: الأزواج والآباء والأبناء. واضطر البعض لترك منازلهم. نريد أن ينتهي هذا الصراع لأن الحروب لا تجلب سوى الدمار. أنا هنا مع أطفالي الثمانية، وبسبب الحرب، ليس لدينا أي شخص يعتني بنا. هذا ما تخلفه الحرب. لا نريد سوى أن نعيش بسلام ".

القصة رقم 2



قصة عائشة (تعز): "كان الموت يجوب الشوارع"

تعيش عائشة بمفردها في غرفة صغيرة في حوض الأشرف، أحد أحياء محافظة تعز، وهي في منتصف العقد الثامن من عمرها. عائشة أم لثلاثة أبناء يقطنون مع عائلاتهم في الحوبان وصنعاء وتعز على التوالي.

عندما إندلعت الحرب، كانت عائشة تعمل في إحدى المستشفيات بمحافظة تعز، لكنها فقدت وظيفتها بعد ذلك بوقت قصير. وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، توقف راتبها التقاعدي أيضاً ولم يعد لديها أي مصدر دخل  باستثناء المساعدات النقدية التي تحصل عليها من منظمات الإغاثة ومن جيرانها. حالة عائشة الصحية متدهورة وهي غير قادرة على زيارة أبنائها جراء الحصار المفروض على مدينة تعز، حيث أن الطريق بين تعز والحوبان، والذي يستغرق عادةً قرابة 10 دقائق بالسيارة، مغلق في الوقت الراهن ومملوء بالألغام الأرضية، ولا يوجد سوى طريق يمر عبر الجبال الصخرية، وهي رحلة باهظة الثمن وخطيرة ويمكن أن تستغرق أكثر من خمس ساعات بالسيارة.

يقع منزل عائشة في تعز وليس لديها مكان آخر تذهب إليه. قبيل إندلاع الحرب، كانت عائشة تعيش مع ابنها في تعز ولكن منزله تعرض لغارة جوية أدت إلى تدميره بالكامل. وعلى الرغم من أن جميع أفراد الأسرة لم يصابوا بأذى، إلا أن عائشة تشعر بالرعب مما قد يحدث إذا لم تنته الحرب قريباً.

تقول عائشة "كنا نختبئ في هذا المكان وكنا مرعوبين في الوقت الذي كانت المواجهات المسلحة تدور حولنا. كنا نسمع أصوات القصف وإطلاق النار ولم نكن نجرؤ على الخروج أبداً بعد غروب الشمس حتى في الحالات الطارئة. كان الموت يجوب الشوارع بعد غروب الشمس".

القصة رقم 3


 

قصة وفاء (تعز): "لا نزال نحمل ألم أمي في قلوبنا"

تعيش وفاء مع والديها وثلاثة أخوة وأختين في منزلهم الكائن بمحافظة تعز. بعد وقت قصير من اندلاع المواجهات المسلحة، تم تشخيص عائشة، والدة وفاء، بالسرطان. لكن إغلاق مركز علاج السرطان في تعز كان يعني أن عائشة لن تتمكن من الحصول على العلاج الذي تحتاجه. كان الخيار الوحيد للعائلة هو البحث عن العلاج في أي مكان آخر، إلا أن جميع الطرق للخروج من تعز كانت مغلقة أو خطرة للغاية. كانت وفاء تشاهد حالة والدتها تتدهور في حين يحاولون جاهدين إيجاد طريقة للخروج من تعز.

وتقول وفاء "كانت والدتي تتألم بشدة وكنت أعاني وأنا أراها تتألم بتلك الطريقة".

وفي نهاية المطاف، تم فتح أحد الطرق المؤدية إلى صنعاء وتمكنت عائشة من السفر من تعز مع زوجها، على الرغم من صعوبة هذه الرحلة الشاقة عليها. عندما وصلت عائشة إلى صنعاء، أخبرها الأطباء أن السرطان في مرحلة متقدمة جداً ولا يمكن علاجه لأنها تأخرت كثيراً.

وتضيف ""لقد أبلغها الأطباء أن حالتها ميؤوس من علاجها وأن لديها بعض الوقت لتعيشه، ووافتها المنية بعد ذلك بفترة وجيزة في صنعاء. كانت بعيدة عن عائلتها ولم نتمكن حتى من توديعها قبل وفاتها. لم يكن من الممكن نقل جثمانها إلى تعز وتم دفنها في صنعاء، ولا يمكننا حتى زيارة قبرها الآن".

"هذه ليست قصتنا فقط، فهناك العديد من السكان في المدينة يعانون من الأمراض ولا يمكنهم الحصول على الرعاية الطبية المناسبة التي يحتاجونها. أما بالنسبة لأمي، فقد شعرت بالارتياح من ألمها عندما ماتت، لكننا لا زلنا نحمل هذا الألم في قلوبنا"

القصة رقم 4

القصة الأولى (مديرية الدريهمي)- "آمالنا بتحقق السلام ذهبت أدراج الرياح"

قبل اندلاع الصراع في اليمن، كان موسى وعائلته يعيشون حياة هادئة ومستقرة نسبياً. كان والده يعمل في بيع الخضروات في حين تتولى والدته مسؤولية رعاية ست بنات وثلاثة أولاد. ولكن بعد أن بدأت الاشتباكات، وجد موسى وعائلته أنفسهم محاطون بالمواجهات من كل مكان.

يقول موسى "كانت القذائف تتساقط علينا من كل حدب وصوب. طلب والدي مني ومن والدتي واشقائي مغادرة القرية حتى نكون بعيدين عن المواجهات. كان من المفترض أن نبقى خارج القرية لمدة يومين أو ثلاثة أيام فقط حتى يتحسن الوضع".

ظل والد موسى في القرية ولم يستطع مغادرتها جراء اشتداد القتال وفرض حصار على مديرية الدريهمي.

"بلغنا أن والدي أصيب بقذيفة هاون في ساقه اليسرى، ولكن بسبب الحصار لم نتمكن من العودة إلى قريتنا ولم يكن بمقدوره مغادرة القرية".

نتيجة للحصار المفروض على الدريهمي، لم يتمكن والد موسى من تلقي الرعاية الطبية التي يحتاجها لساقه، وتدهورت حالته الصحية، ومن ثم توفي بعد ستة أشهر متأثراً بجراحه.

ويضيف موسى "والدي كان كل شيء بالنسبة لنا. كان مصدر الحنان والأمان ولم يخطر ببالنا قط أننا سنفقد ذلك الأمان فجأة".

بعد وفاة والده، أصبح موسى - البالغ من العمر 21 عاماً – مسؤولًا عن والدته واشقائه التسعة. يعمل موسى في أحد المخابز ولكن الأجر الذي يحصل عليه لا يكفي لإعالة جميع أفراد الأسرة، لذلك يحصل أفراد الأسرة على مساعدات من جيرانهم.

عندما سمع موسى عن اتفاق ستوكهولم الذي تم توقيعه في شهر ديسمبر من العام الماضي، كان موسى متفائلاً بأن الأمور ستتحسن وأن السلام قد يعود أخيراً إلى اليمن وستكون عائلته قادرة على العودة إلى القرية.
 

ويقول موسى "كنا متفائلين في ذلك الوقت واعتقدنا أن الحرب ستنتهي وسنتمكن من العودة إلى قريتنا والعيش بسلام، إلا أن آمالنا في تحقق السلام ذهبت أدراج الرياح".

القصة رقم 5

قصة هدى (مديرية الدريهمي): "لماذا يتحمل السكان العاديون دائماً وطأة الحرب؟"

أضطرت هدى للنزوح من منزلها مع زوجها وفتياتها الثلاث عندما اندلعت شرارة الصراع عام 2015م. في السابق، كانت أسرة هدى تعيش وتعمل في المزرعة التي تملكها وتجني مالاً جيداً يلبي احتياجاتها. كانت هدى تعيش حياة مستقرة وكانت فتياتها الثلاث يدرسن بشكل منتظم في المدرسة.

وتقول هدى "هذه الحرب لم تجلب لما سوى الدمار والمتاعب. عندما اندلع الصراع في منطقتنا، كانت القذائف تتساقط على المنازل والمزارع مثل قطرات المطر. وفي ذلك الحين، اضطررنا للنزوح والبحث عن مكان آمن في منطقة أخرى."

وبالإضافة إلى المواجهات، أضطرت الأسرة إلى مغادرة مديرية الدريهمي لأن زوج هدى كان يعاني من مرض جلدي مزمن ولم يتمكن من الحصول على العلاج الذي يحتاجه.وكان الحصار المفروض على الدريهمي يعني أنهم لن يكونوا قادرين على العودة إلى منازلهم ومزارعهم.

وتضيف هدى "نحن بلا مأوى وزوجي لا يستطيع العمل ولا يوجد لدينا أي مصدر للدخل. أقوم بجمع الحطب من الصباح الباكر وحتى الظهيره ومن ثم أبيعه للحصول على بعض المال لأفراد عائلتي."

"شعرنا بالتفاؤل عندما سمعنا عن اتفاق استكهولم ووقعنا أن الحرب ستنتهي وسيكون بمقدرونا العودة إلى ديارنا، لكننا فقدنا هذا الأمل - لماذا يتحمل الناس العاديون دائماً وطأة الحرب؟"

سنة كاملة مضت ولانمتلك دقيقة واحدة لنُضيعها

يُنسب إلى اتفاقية استكهولم في كثير من الأحيان بأنها قد تفادت معركة من أجل ميناء الحديدة المُطل على البحر الأحمر، وهو شريان حيوي بالنسبة للسكان اليمنيين بالنظر إلى أن 70 في المائة من البضائع المستوردة إلى اليمن تصل عبر هذا الميناء.

تضمن الاتفاق ثلاثة أجزاء:

1 اتفاقية الحديدة: التي تضمنت الالتزام بوقف إطلاق النار في مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى على البحر الأحمر بالإضافة الى "إعادة توزيع مُتبادلة للقوات"؛

2 إتفاق تعز: حيث اتفق الطرفان على إنشاء لجنة مشتركة لمعالجة الوضع في تعز والتي كانت تحت حصار فعلي منذ تصاعد النزاع في عام 2015 ؛

3 اتفاقية لتبادل الأسرى: والتي تهدف إلى إطلاق سراح أكثر من 15,000 سجين ومحتجز.

تُعتبر اتفاقية إستوكهولم من اللحطات القيّمة ذات الأمل بالنسبة للسكان اليمنيين. كانت هذه هي المرة الأولى منذ أكثر من عامين التي تجتمع فيها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وقيادة أنصار الله، وتلك فرصة سانحة للمزيد من المناقشات.

على الرغم من ذلك، كان للاتفاق بعض العيوب: فقد تضمن بعض العناصر الغامضة التي تجعل التنفيذ تحدّيا؛ أُستبعدت النساء إلى حد كبير (كانت هناك امرأة واحدة فقط بين المندوبين)؛ وقد اقتصر الاتفاق على اثنين فقط من أطراف النزاع.

إستمرار الخسائر المدنية

الآن وبعد مرور عام على إتفاقية إستوكهولم، لا يزال الصراع الدائر منذ خمس سنوات في اليمن مُستمراً. في الحديدة وعلى الرغم من الهدوء النسبي الذي ساد الأسبوعين الأولين التاليين لتوقيع اتفاقية ستوكهولم إلا ان العنف لايزال مُستمرا في المدينة وماحولها - بما في ذلك القصف والقتال البري واستئناف الغارات الجوية مؤخرًا. تم تسجيل ربع جميع الضحايا المدنيين في جميع أنحاء اليمن في عام 2019 في محافظة الحديدة.

اتهمت الحكومة المعترف بها دولياً والتحالف الذي تقوده السعودية أنصار الله بأكثر من 11,000 انتهاكا للاتفاقية، في حين أن أنصار الله قد ألقى باللوم على التحالف والحكومة بأنهم قد ارتكبوا أكثر من 35,000 انتهاك. يعاني الأشخاص الذين يعيشون في مناطق المواجهة بشكل خاص، وتعكس القصص الواردة أعلاه من مديرية الدريهمي الحياة اليومية لسكانها البالغ عددهم   7 الاف شخص.

 في الوقت نفسه في محافظة تعز، لم يهدأ الحصار وإستمر في خنق المدينة وسكانها. تصاعد القتال طوال العام 2019، مع الإبلاغ عن مئات الإصابات في صفوف المدنيين في حين ان معظم الطرق المؤدية إلى مدينة تعز لا تزال مُغلقة.

تحريك اليمن نحو السلام

كما هو الحال دائمًا، من المُلّح أن تلتزم جميع أطراف النزاع في اليمن بإحترام إتفاقية إستكهولم بالكامل والبدء في العمل على تنفيذها.

ومع ذلك ، فإن الاتفاق ليس سوى ُجزء مما هو مطلوب من أجل العمل من أجل إنهاء الصراع. يجب وضع وقف لإطلاق النار على مستوى الدولة فوراً ، وينبغي استئناف محادثات السلام التي طال انتظارها.

لكي تكون هذه المحادثات فعّالة حقًا، يجب أن تشمل أصوات النساء والشباب وممثلي المجتمع المدني.

مع نجاح المحادثات الأخيرة في الرياض، وإحراز بعض التقدم في اتفاقية تبادل الأسرى، هناك نافذة حاسمة من الفُرص المتاحة الآن للأطراف المتحاربة للإلتقاء - ومن أجل عدد لاحصر له من اليمنيين الذين لازالوا يتحملون وطأة الصراع فليست هناك دقيقة لتضييعها.